قصص المبشرون بالجنة بالصلصال السيدة خديجة
نساء مؤمنات
خديجة بنت خويلد
إن لكل عصر رجاله ونساءه ولله في خلقه شؤون يبديها ،وله اجتباء واصطفاء من بين ما خلق فبارك بقعاً من الأرض وقطعاً منها وحرم أشهراً واصطفى رسلاً وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار». ثم يقول لنا الرسول: إن الله اختار أصحابي على العالمين وبعد النبيين والمرسلين».
وقد اختار من بين أصحابه العشرة المبشرين بالجنة واختار من العشرة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ثم بعد العشرة أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أنتم خير أهل الأرض». واختار الله سبحانه وتعالى أهل بيت رسول الله وطهرهم تطهيراً فيقول الله في كتابه الكريم بسورة الأحزاب الآية (3): «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» واختار الله نساء النبي على نساء العالمين فيقول سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب الآية (32): «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء».
كما اختار الله سبحانه وتعالى من بين نساء النبي سيدتنا وأمنا الطاهرة العفيفة خديجة بنت خويلد. إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل نساء الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون».
فالسيدة خديجة بنت خويلد هي أول الزوجات وأكمل أمهات المؤمنين وأكثرهن اقتراناً به وأكثرهن تضحية لأجله وأكثر من عاشت معه من زوجاته. وأبسط ما يقوله المرء عن سيدتنا خديجة انها أصل الشرف صوب الكرم وطيب العنصر وعلو النسب ،إنها الكريمة الشريفة الطاهرة العفيفة الطيبة الحنون.
صلة نسب وقرابة
وربما لا يعرف البعض أن هناك صلة قربى من 3 جهات تجمع بين السيدة خديجة رضي الله عنها والرسول صلى الله عليه وسلم فهي الحسيبة النسيبة (أم هشام) كما كان يسميها جيرانها أهل مكة المكرمة.
فالسيدة خديجة يجمعها مع رسول الله النسب في جده قصي من جهة أبيها وفي لؤي من جهة أمها وفي عبد مناف بن قصي من جهة جدتها لأمها.. وقد كانت السيدة خديجة سيدة نساء عصرها ولقبت بالعفيفة لأنها كانت تضع الحجاب على رأسها وتستر سائر بدنها بالكامل بما يعرف لدينا الآن بالعباءة على الرغم من ان الإسلام لم يأت بعد ولكنها كانت على دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام وكانت حشمتها هذه هبة من عند الله شأنها في ذلك شأن كل العفيفات اللاتي اصطفاهن الله سبحانه وتعالى وأكرمهن بالحجاب منذ بدء الخليقة كالسيدة سارة زوج إبراهيم عليه السلام والسيدة مريم وغيرهن من الصالحات والمؤمنات على مر العصور.
وسميت السيدة خديجة أيضاً بالطاهرة لأنها رغم مالها الكثير الذي اتاها الله وعلى كثرته وجمالها الذي حباها الله به وعلى درجته إلا انها لم تستغل مالها ولا جمالها في تجارتها بل كانت لا تخالط الرجال ولا تصافحهم انما كانت تبعث خادميها في المضاربة بمالها في التجارة لمن تسمع عنه حسن الخلق، ولذلك لم يكن من المصادفة ان يكافئها الله على إيمانها وعفتها وطهارتها بأن زوجها خير خلقه من عباده وأقربهم منه منزلة.
وتزوجت العفيفة الطاهرة بالصادق الأمين وزوجت ذروة النساء لسيد الأولين والآخرين. والسيدة خديجة هي أفضل زوجات النبي على الإطلاق، وقد ظل الرسول يحبها ويحيي ذكرى حبها في قلبه حتى بعد وفاتها حتى انه كان يقول «إني لأحب حبيبها» وكان ان ذبح ذبيحة قسم لها جزءاً موفوراً وقال: «ارسلوا هذا إلى أصدقاء خديجة وكان اذا سمع طرقاً على الباب يعرف سمته يقول اللهم هالة وهالة هي أخت السيدة خديجة».
فمن هذه السيدة التي حظيت بكل هذا الحب من سيد الخلق أجمعين انها السيدة خديجة بنت خويلد ابن اسد بن عبدالعزى أخو عبد مناف وأمها السيدة فاطمة بنت زائدة وجدتها هي السيدة هالة بنت عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو السيدة خديجة رضي الله عنها «خويلد بن أسد» كان في ذروة قريش نسباً وشرفاً ومكانة وما يذكر له انه واجه آخر التباعية ملوك اليمن وحال بينه وبين ما أراده من أخذ الحجر الأسود معه الى اليمن. وهو من أقران عبدالمطلب جد الرسول، ويذكر المؤرخون انه كان ضمن الوفد الذي ذهب بقيادة عبدالمطلب الى اليمن لتهنئة سيف بن ذي يزن لانتصاره على الحبشة وطردهم من بلاده.
أما أم السيدة خديجة فهي السيدة فاطمة بنت زائدة وينتهي نسبها الى عامر بن لؤي وقد كانت امرأة يشهد لها بالجمال وعزة النسب ورجاحة العقل، أما جدتها لأمها فهي السيدة هالة بنت عبد مناف التي يصل نسبها الى لؤي بن غالب، وقد كانت ذات شأن في قومها حسيبة نسيبة من أشراف العرب وأسماهم عرقاً وكلا أبويها من أعرق البيوت وأكثرهم كرماً وخلقاً حتى قبل ظهور الإسلام.
ويقول الحافظ بن حجر ان السيدة خديجة من أقرب نسائه اليه في النسب ولم يتزوج غيرها من ذرية قصي إلا أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وأخت السيدة خديجة هي هالة بنت خويلد التي عاشت بعد اختها زمناً وكانت تود رسول الله بعد وفاة اختها، وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كلما اشتاق إلى رؤية السيدة خديجة تمنى ان تأتيه أختها هالة وكانت شبيهة الصوت بأختها فيقول الرسول متمنياً ان يكون طارق الباب هو اختها فيقول اللهم هالة.. اللهم هالة.
وابن أخيها «حكيم بن خزام بن خويلد، اسلم وحسن إسلامه وكان صديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وقد كان عالماً بالانساب والأخبار.. ونال شرف الصحبة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وحصل على الرفادة لبيت الله الحرام.
أما عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، كان قد كره عبادة الأصنام وطلب الدين في الآفاق وقرأ الكتب وأصبح مؤمناً عابداً لله الواحد وهو الذي بشر السيدة خديجة بنبوة زوجها وكان يقول لها: ما آراه إلا نبي هذه الأمة الذي بشر به عيسى وموسى.
وابن أخيها الثاني «الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه عمة النبي صفية بنت عبدالمطلب أي ان عمة النبي صفية رضي الله عنها كانت متزوجة بأخي السيدة خديجة والزبير بن العوام هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى في وصية عمر بن الخطاب وعنه يقول النبي: «إن لكل نبي حواريا وان حواريي الزبير».
نور يسطع على كل شيء
سيدتنا وأمنا السيدة خديجة على هذا النسب كانت راجحة العقل كاملة الوصف حتى في أيام صباها فلم تكن فتاة متسرعة ولا غضوبة ولا مدللة إلى الحد الزائد بل كانت فتاة راجحة العقل هادئة الطبع جميلة الشكل طيبة القلب وكريمة اليد وكان لنشأتها في بيئة ثرية آثاراً طيبة في نفسها وليس العكس فهي لم تتكبر بثراء أسرتها ولم تأخذها العصبية والغرور لعلو نسب قومها بل على العكس كانت شديدة التواضع شديدة العطف على الفقراء ولا ترد من يأتيها لصدقة أبداً.
وكان من عادة السيدة خديجة التصدق على الفقراء والدعوة لهم فهي إن همت بإعطاء أحد الفقراء صدقة فدعا لها بادرته هي بالدعوة وتقول دعوة بدعوة والأجر من عند الله.. وهذا عكس ما نراه الآن من أن أحدنا يعطي صدقة لأحد الفقراء ويطلب منه أن يدعو له وربما يتجاوز ذلك، إنما السيدة خديجة عرفت بفطرتها الإيمانية ان طلب تحقيق المنى والأماني لا تأتي من العباد ولكن تأتي من رب العباد.
وقد رأت السيدة خديجة رؤية عظيمة في مقتبل شبابها أثرت فيها أيما أثر وملأت نفسها الطاهرة بالتفاؤل والخير والتمسك بعبادة الله، فهي لم تسجد لصنم ولم تعبد غير الله الواحد وكانت على الحنفية التي تمسك بها بعض العقلاء في زمن تفشى فيه وباء الشرك.
فقد رأت السيدة خديجة في منامها أن الشمس تهبط من السماء وتدخل دارها وتسطع على كل شيء فيه فغمرت كل البيت بنور عظيم يبهر الأبصار وأضاء هذا النور كل شيء حتى أصبح بيتها نوراً يتلألأ وأرادت أن تستوضح معنى لرؤياها هذه فذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل للتحقق من هذه الرؤية، فإذا بوجهه الصالح يتهلل ويبشرها: «البشرى البشرى يا ابنة العم، فإن هذه الرؤية تعني أن الله سيكرمك بنور يدخل إلى بيتك وأحسبه والله أعلم نور النبوة.. الله أكبر يا خديجة هذه بشرى عظيمة». وعندما سألته السيدة خديجة ماذا تعني بنور النبوة؟ قال لها: إنه نور من نور الله ورسالته إلى الأرض وأحسب أنه نور خاتم النبيين يا خديجة.
وهكذا عاشت السيدة خديجة على هذا الأمل تسترجع تفاصيل الرؤية وتتمنى من ربها أن تتحقق، وكثر خطاب السيدة خديجة والمتقدمون لها، فلم تجد أمامها بدا من الزواج فتزوجها (زرارة بن النباش التميمي) وعاشت معه فترة قصيرة ورزقت منه بولدين هما «هند بن زرارة» و«هالة بن زرارة» وكانت أسماء هند وهالة تصلح للذكور كما للإناث في ذلك الوقت.
ثم توفي زوج السيدة خديجة تاركاً لها ثروة ضخمة والولدين.. وكان من عادة العرب ألا تجلس إمرأة من دون زواج، خاصة إذا كانت السيدة خديجة، فتقدم لها الخطاب مرة أخرى فتزوجت «عتيق بن عائد المخزومي» ثم توفي عنها بعد فترة قصيرة، ولكن بعد أن أنجبت منه بنتاً سمتها هند أيضاً وعاشت السيدة خديجة «أيما» أي أرملة مع ولديها من الزوج الأول هند وهالة ابنا زرارة وبنتها من الزوج الثاني هند بنت عتيق.
وكانت السيدة خديجة تضارب بأموالها وترسل الرجال في تجارتها إلى الشام وإلى أماكن أخرى وقد سمعت عن أمانته وسمعت عنه أقوالاً متناثرة فجاشت في نفسها الطاهرة تفاصيل رؤيا النور وعرفت أنه قد آن الأوان لأن يدخل النور إلى بيتها لتحتضن هذا النور ليشع على الأمة إيماناً وتوحيداً وعبادة لرب العالمين الواحد الأحد.. ولتحقق بذلك مكانة عالية منذ أن فازت بلقب الأولى، فقد كانت أول من وقف مع زوجها الحبيب وأول من صدقه وأول من شهد له وأول من تزوجه، ولهذا كله كانت السيدة خديجة ولم يكن أحد غيرها.