اذان محمد رفعت
الولادة والنشأة
الشيخ محمد رفعت ابن محمود رفعت ابن محمد رفعت فكان اسمه واسم ابيه وجده كلها مركبة. وقد ولد في يوم الإثنين 9 مايو عام 1882م بدرب الأغوات بحي المغربلين بالقاهرة، وفقد بصره صغيراً وهو في سن الثانية من عمره.[1]
بدأ حفظ القرآن في سن الخامسة، عندما أدخله والده كُتّاب بشتاك الملحق بمسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب[2] وكان معلمه الأول الشيخ محمد حميدة وأكمل القرآن حفظا ومجموعة من الأحاديث النبوية، بعد ست سنوات شعر شيخه أنه مميز، وبدأ يرشحه لإحياء الليالي في الأماكن المجاورة القريبة. ودرس علم القراءات والتجويد لمدة عامين على الشيخ عبد الفتاح هنيدي صاحب أعلى سند في وقته ونال اجازته. توفي والده محمود رفعت والذي كان يعمل مأموراً بقسم شرطة الجمالية وهو في التاسعة من عمره فوجد |الطفل اليتيم نفسه مسئولاً عن أسرته المؤلفة من والدته وخالته واخته واخيه «محرم» وأصبح عائلها الوحيد بعد أن كانت النية متجهة إلى الحاقه للدراسة في الأزهر، بدأ وهو في الرابعة عشر يحيي بعض الليالي في القاهرة بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن في الأقاليم.[2]
عائلته
متزوج من الحاجة زينب من قرية الفرعونية بالمنوفية، ولديه أربعة أبناء أكبرهم محمد المولود عام 1909م وقد رافق والده فكان بمثابة سكرتيره ومدير أعماله، ثم أحمد ولد عام 1911 م وقد سار على درب والده فحفظ القرآن ودرس القرآءات ونال الإجازة فيها، ثم ابنته بهية وولدت عام 1914 م تزوجت من عبده فرّاج، ثم أصغرهم حسين وولد عام 1920 م وكان يقرأ لوالده الكتب، وقد توفاهم الله جميعاً.[3]
قراءة القرآن
تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب سنة 1918م حيث عين قارئا للسورة وهو في سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس، وحرص النحاس باشا والملك فاروق على سماعه.[4] واستمر يقرأ في المسجد حتى اعتزاله من باب الوفاء للمسجد الذي شهد ميلاده في عالم القراءة منذ الصغر.[3] وافتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، وذلك بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتى له بجواز ذلك فافتتحها بآية من أول سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، ولما سمعت الإذاعة البريطانية بي بي سي العربية صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام[2]، فسجل لهم سورة مريم.
خصائص تلاوته
كان الشيخ محمد رفعت ذا صوت جميل ببصمة لا تتكرر، وأسلوب فريد ومميز في تلاوة القرآن، كان يتلو القرآن بتدبر وخشوع يجعل سامعه يعيش معاني القرآن الكريم ومواقفه بكل جوارحه لا بأذنه فقط، فكان يوصل رسالة القرآن ويؤثر بمستمعي تلاوته. كان يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والبسملة والترتيل بهدوء وتحقيق، وبعدها يعلو صوته، فهو خفيض في بدايته ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبًا «عالياً» لكن رشيداً يمسُّ القلبَ ويتملكه ويسرد الآيات بسلاسة وحرص منه واستشعار لآي الذكر الحكيم.
كان اهتمامه بمخارج الحروف كبيراً فكان يعطي كل حرف حقه ليس كي لا يختلف المعنى فقط بل لكي يصل المعنى الحقيقي إلى صدور الناس، وكان صوته حقاً جميلاً رخيما رنانا، وكان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وبغير تكلف. امتلك الشيخ محمد رفعت طاقات صوتية هائلة، جعلته يستطيع الانتقال بسلاسة شديدة بين المقامات في أثناء تلاوته للقرآن الكريم، ليس هذا فحسب، بل إنه امتلك القدرة على تراسل الحواس لدى المستمعين، فيعلم متى يبكيهم، ومتى يبهجهم من خلال آيات الترغيب والترهيب في كتاب الله عز وجل، فقد أوتي مزمارًا من مزامير داود، وإذا ما وضعنا جماليات الصوت جانبًا لننتقل إلى قوته، فان صوته كان قويًا لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من 3 آلاف شخص في الأماكن المفتوحة.[1]
كان محافظاً على صوته يتجنب نزلات البرد والأطعمة الحريفة ولا يدخن ولا يتناول طعام العشاء.[2]
المتأثرون بطريقته
يعد الشيخ أبو العينين شعيشع من المتأثرين بتلاوة الشيخ محمد رفعت وصوته شديد الشبه به حتى أن الإذاعة المصرية استعانت به لتعويض الانقطاعات في التسجيلات.
كما يعد الشيخ محمد رشاد الشريف مقرئ المسجد الأقصى من المتأثرين بقراءة الشيخ محمد رفعت.[5] وفي العام 1943، استمع الشيخ محمد رفعت إلى محمد رشاد الشريف فقال عنه «إنني استمع إلى محمد رفعت من فلسطين» [6]، ورد له رسالة في العام 1944 معتبراً إياه بمثابة «محمد رفعت الثاني».[5]
نشر تلاواته
كانت معظم تلاوات الشيخ محمد رفعت بمسجد فاضل باشا في القاهرة يقصده الناس هناك للاستماع إلى تلاواته حتى الملك فاروق وكانت تبث الإذاعة المصرية حفلاته من هناك، وكان صيفاً يتلو القرآن في جامع المرسي أبو العباس في الإسكندرية. إضافة إلى تلاواته الحية على الهواء من دار الإذاعة المصرية التي تعاقدت معه من أول افتتاحها لا سيما في رمضان كان يتلو تلاوتين يومياً على الهواء فيما عدا يوم الأحد وكان يقرأ القراءة الأولى من الساعة التاسعة وحتى العاشرة إلا الربع مساءً والثانية من الساعة العاشرة والنصف وحتى الحادية عشرة والربع مساءً.[2] أما تسجيلاته فكانت جميعها تقريباً من تسجيل أحد أكبر محبيه وهو زكريا باشا مهران أحد أعيان مركز القوصية في أسيوط وعضو مجلس الشيوخ المصري، والذي يعود له الفضل في حفظ تراث الشيخ رفعت الذي نسمعه حاليا، وكان يحب الشيخ رفعت دون أن يلتقي به، وحرص على تسجيل حفلاته التي كانت تذيعها الإذاعة المصرية على الهواء واشترى لذلك اثنين من أجهزة الجرامافون من ألمانيا، وعندما علم بمرض الشيخ رفعت أسرع إلى الإذاعة حاملاً إحدى هذه الأسطوانات، وطلب من مسؤولي الإذاعة عمل معاش للشيخ رفعت مدى الحياة، وبالفعل خصصت الإذاعة مبلغ 10 جنيهات معاش شهري للشيخ رفعت، ولكن الشيخ توفي قبل أن يتسلمه [3]، وتبرعت عائلة زكريا باشا بالأسطوانات لكي تنشر وقد حصل عليها ورثة الشيخ محمد رفعت بعد وفاة زكريا باشا مهران من زوجته ”زينب هانم مبارك” فلولا هذه التسجيلات لفقد تراثه الا من 3 تسجيلات تحتفظ بها الإذاعة، ولم تكن لتلك الاسطوانات أثرها في حياة الشيخ فقط بل ”زكريا باشا” المحب الذي سجل دون معرفة شخصية أو رؤية لـ”رفعت”، وقالت زوجة زكريا باشا: برغم نشاطات زوجي زكريا باشا نوران في الاقتصاد والمحاماة والسياسة والتأليف إلا أن اسمه لم يذكر إلا مقروناً بأنه الذي سجل مجموعة من التسجيلات للشيخ محمد رفعت.[4][7]
وأوضحت السيدة هناء حسين محمد رفعت حفيدة الشيخ أن أبناء الشيخ رفعت ظلوا طوال حياتهم عاكفين على إعادة إصلاح ومعالجة هذه الأسطوانات، وأن والدها أهدى الإذاعة 30 ساعة بصوت الشيخ رفعت دون مقابل، وهي كل التراث الذي نسمعه حاليا للشيخ رفعت، مؤكدة أن الأحفاد يستكملون المسيرة ويحاولون إنقاذ 30 ساعة أخرى بصوت الشيخ رفعت لم تر النور بعد، ولم تصل إلى آذان محبيه، قائلة: «نقلنا كل الأسطوانات على هارد ديسك، واشتغلنا في كذا استوديو لإصلاحها وتنقيتها، ولكن بقدر إمكانياتنا الضعيفة، ونحتاج استوديوهات عالية التقنية وإمكانيات أكبر من طاقتنا لذلك توقفنا».[3]
شخصيته
ويروى عن الشيخ أنه كان رحيماً رقيقاً ذا مشاعر جياشة عطوفاً على الفقراء والمحتاجين، حتى أنه كان يطمئن على فرسه كل يوم ويوصي بإطعامه. ويروي أنه زار صديقا له قبيل موته فقال له صديقه من يرعى فتاتي بعد موتي؟ فتأثر الشيخ بذلك، وفي اليوم التالي والشيخ يقرأ القرآن من سورة الضحى وعند وصوله إلى (فأما اليتيم فلا تقهر) تذكر الفتاة وانهال في البكاء بحرارة، ثم خصص مبلغاً من المال للفتاة حتى تزوجت. كان زاهداً صوفي النزعة نقشبندي الطريقة يميل للناس الفقراء البسطاء أكثر من مخالطة الأغنياء فقد أحيا يوماً مناسبة لجارته الفقيرة مفضلاً إياها على الذهاب لإحياء الذكرى السنوية لوفاة الملك فؤاد والد الملك فاروق.
وكان بكّاءاً تبل دموعه خديه في أثناء تلاوته حتى انه انهار مرة وهو في الصلاة عندما كان يؤم المصلين يتلو آية فيها موقف من مواقف عذاب الآخرة. وكان ربانيّاً يخلو بنفسه يناجي الله داعياً إياه.[3]
مرضه ووفاته
أصابت حنجرة الشيخ محمد رفعت في عام 1943م زغطة أو فواق تقطع عليه تلاوته، فتوقف عن القراءة. وقد سبب الزغطة ورمٌ في حنجرته يُعتقد أنه سرطان الحنجرة، صرف عليه ما يملك حتى افتقر لكنه لم يمد يده إلى أحد، حتى أنه اعتذر عن قبول المبلغ الذي جمع في اكتتاب (بحدود خمسين ألف جنيه) لعلاجه على رغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكان جوابه كلمته المشهورة «إن قارئ القرآن لا يهان».
فارق الشيخ الحياة في 9 مايو عام 1950م وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة حتى تقرر منحه قطعة أرض بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليه، وقد كان من عادته أن يذهب كل يوم اثنين أمام المدفن ليقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم.
وصيغة الأذان: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر، لا إله إلا الله.
الأذان والإقامة
لمَّا كانت الصلوات الخمسُ مؤقتةً بأوقات معينة، لا يجوز فعلُها قبل دخول تلك الأوقات، ولما كان كثير من الناس قد لا ينتبه إلى أن وقت الصلاة قد دخل، شرع الله تعالى الأذان إعلامًا بدخول وقتها.
فالأذان إذن هو: الإعلامُ بدخول وقت الصلاة المفروضة بذِكرٍ مخصوص؛ لدعوة المسلمين إلى الاجتماع إليها.
حُكم الأذان:
الأذان للصلاة فرضُ كفاية في حق الرجال؛ فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
والأذان له أهمية كبرى في إظهار شعيرة من شعائر الإسلام، فلا يجوز تعطيله بحال.
دليل مشروعية الأذان:
دلَّ على مشروعية الأذان القرآن والسنّة:
فأما القرآن: فقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9].
وأما السنة: فما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله تعالى عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: (ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ).
بَدء تشريع الأذان: كان تشريع الأذان في السنة الأولى للهجرة النبوية.
وسبب مشروعيته: لما عَسُرَ على المسلمين معرفةُ الأوقات، وتشاوروا في نصب علامة على دخول وقت الصلاة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ [يقدُرُون حِينَها ليأتوا إليها] لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ).
وصيغة الأذان:
الأذان له صِيغٌ متعددة وكيفيات متنوعة، وكلها جاءت بها السنَّة النبوية، ومن ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه أنه قال: (طاف بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمِل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله أتَبيعُ الناقوسَ؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غيرَ بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمتَ الصلاةَ: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحتُ أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه بما رأيتُ فقال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فَأَلْقِ عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك )، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به.قال: فسمع ذلك عمرُ بن الخطاب، وهو في بيته فخرج يَجُرُّ رِداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلله الحمد) رواه أبو داود.
التثويب في أذان الفجر:
يُزادُ في أذان الفجر: “الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم”، بعد قوله: “حيَّ على الفلاح” الأخيرة، فعن أبي محذورة رضي الله تعالى عنه قال: قلتُ: يا رسول الله علِّمني سنةَ الأذان، قال: فمسح مُقَدَّمَ رأسي، وقال: (تقول: الله أكبر الله أكبر …) وذكرَ ألفاظ الأذان بتمامها، ثم قال: (فإن كان صلاة الصبح قلتَ: الصلاةُ خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) رواه أبوداود والنسائي.
شروط صحة الأذان:
يُشترط لصحة الأذان الأمورُ التالية:
1- الإسلام: فلا يصح الأذان من كافرٍ؛ لعدم أهليته للعبادة.
2- التمييز: فلا يصح من صبي غيرِ مميز؛ لعدم أهليته للعبادة، ولعدم ضبطه للوقت.
3- الذكورة: فلا يصح أذان المرأة للرجال؛ للفتنة بصوتها.
4- العدالة والأمانة: فالمؤذن مؤتمَن، يُؤخذ بقوله في الصلاة والصيام، ومن لم يكن عدْلاً أمينًا ربما غرَّ المسلمين وخدعهم.
5- العلم بأوقات الصلاة: حتى يتحرَّاها فيُؤذِّن في أولها.
6- ترتيب كلمات الأذان كما وردت به السُّنة، ولأن ترك الترتيب يوهم اللعب ويُخل بالإعلام.
7- المتابعة بين كلماته، بحيث لا يقوم فاصل كبير بين الكلمة والتي تليها.
8- أن يكون الأذان في وقت الصلاة، فلا يصح قبل دخول وقتها، ويستثنى من ذلك الأذان الأول للفجر والجمعة فإنه يجوز قبل الوقت.
9- أن يكون الأذان باللغة العربية، وبالألفاظ التي وردت بها السنة.
أذان النساء:
لا يُندب للنساء الأذان؛ لخشية الفتنة في رفع أصواتهن. ويندب لهن الإقامة، لأنها لاستنهاض الحاضرين وليس فيها رفع صوت كالأذان.
سنن الأذان:
يُسَنُّ للأذان الأمور التالية:
1- أن يتوجه المؤذن إلى القبلة؛ لأنها أشرف الجهات.
2- أن يكون المؤذنُ طاهرًا من الحدث الأصغر والأكبر، فيُكره الأذان للمحدث، وأذان الجنب أشد كراهة؛ فعن الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ: (عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود.
3- أن يؤذن قائمًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلالُ قُم فنادِ بالصلاة) رواه البخاري ومسلم.
4- أن يلتفت بعنقه – لا بصدره – يمينًا في: (حيَّ على الصَّلاة)، ويسارًا في: (حيَّ على الفلاح)، فقد روى البخاري ومسلم في صيحيهما أن أبا جُحيفة رضي الله تعالى عنه قال: (أذَّنَ بلالٌ، قال: فجعلتُ أتتبع فاه ها هنا وها هنا – يقول: يمينًا وشِمالاً – يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح).
5- أن يكون المؤذنُ صَيِّتًا قويَ الصوت؛ ليرقَّ قلب السامع ويميل إلى الإجابة، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه، الذي رأى الأذان في النوم: (قُم مع بلال فَأَلْقِ عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك) رواه أبو داود. [ قال في المصباح المنير: فلانٌ أندى صوتًا منه، كناية عن قوته وحسنه].
وروى البخاري في صحيحه أن أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إني أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذَّنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مَدى صوت المؤذن جِنٌ ولا إنس ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة).
6- أن يترسَّل في الأذان، أي يتمهَّل ويتأنَّى فيه؛ لأن الأذان إعلامٌ للغائبين، فكان الترسُّل فيه أبلغ في الإعلام.
7- عدم تمطيط الأذان أو التغني فيه، بل يكره ذلك.
8- يسن أن يكون في المسجد مؤذنان لأذان الفجر، أحدهما يؤذن قبل الفجر، والآخر يؤذِّن بعده، كما كان لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان في الفجر هما بلال بن رباح وعبد الله ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنهما، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن – أو قال حتى تسمعوا أذان – ابن أمِّ مكتوم)، وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا يؤذن حتى يقولَ له الناس: أصبحتَ.
ما يُسنُّ لسامع الأذان:
يسن لسامع الأذان :
1- الإنصاتُ، وأن يقولَ كما يقول المؤذن، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداءَ، فقولوا مثل ما يقول المؤذن) رواه البخاري ومسلم.
لكن يُشرَع لسامع الأذان في الحَيْعَلَتَين أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بعد الانتهاء من ترديد الأذان خلف المؤذن، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثلَ ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله ليَ الوسيلةَ، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة) رواه مسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري.
والمراد بــ (الدعوة التامة): ألفاظُ الأذان، حيث يدعى بها إلى عبادة الله تعالى، ووُصفت بالتمام لأنها دعوة التوحيد المحْكمة التي لا يدخلها نقص بشِرك أو تغيير أو تبديل.
(الوسيلة) هي: ما يتقرب به إلى غيره، (الفضيلة) هي: المرتبةُ الزائدة على سائر الخلائق، والمراد هنا: منزلة في الجنة لا تكن إلا لعبد واحد من عباد الله عز وجل.
والمقصود بــ (وعدتَّه) قول الله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء:79].
ويصلي المؤذنُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويدعو لكن بصوت منخفضٍ عن صوته أثناء الأذان ومنفصلٍ عنه؛ حتى لا يتوهم الناس أن الصلاة على النبي والدعاء من ألفاظ الأذان.
3- يستحب لمن سمع النداء أن يدعو لنفسه؛ لأن الوقت وقتُ فضيلة وبركة وإجابة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًا وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفر له ذنبه).
4- يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة) رواه أبو داود والترمذي.
وأما الإقامة فهي: الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذِكرٍ مخصوصٍ ورد به الشرع.
وأحكام الإقامة هي نفس أحكام الأذان، مع ملاحظة الفوارق التالية:
1- ألفاظ الأذان مثنى، وألفاظ الإقامة فرادى، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة، إلا الإقامة)، رواه البخاري ومسلم. ومعنى قوله: (إلا الإقامة) أي: إلا لفظ قد قامت الصلاة فإنه يثنى.
وقد سبقت صيغة الإقامة كاملة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى، عند الكلام على صيغة الأذان.
2- يستحب في الأذان الترسُّل والتمهُّل، ويستحب في الإقامةِ الإسراعُ والحدرُ؛ لأن الأذان للغائبين، فكان الترسُّل فيه أنسب، والإقامةُ للحاضرين، فكان الإسراع فيها أنسب.
3- من كانت عليه فوائت وأراد أن يقضيها أذَّن للصلاة الأولى فقط، ثم أقام لكل صلاة؛ وذلك اقتداء بفِعله صلى الله عليه وسلم، فقد (أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين)، رواه مسلم.
4- يستحب أن يكون الشخصَ الذي يقيم الصلاة هو نفس المؤذَّن.
هل يشرع الأذان لغير الصلوات الخمس
الأذان والإقامة يُشرعان للصلوات الخمس المفروضة، أما غيرها مما تسنُّ فيه الجماعة كالعيدين والكسوفين والجنازة، فلا يسن فيها الأذان ولا الإقامة، وإنما يقال فيها: الصلاة جامعة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، قال: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نُودي: إن الصلاة جامعة) رواه البخاري ومسلم.
حديث صفة الأذان
عن عبدالله بن زيد بن عبدربه رضي الله عنه قال: طاف بي – وأنا نائم – رجلٌ، فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، فذكر الأذان بتربيع التكبير بغير ترجيح، والإقامة فرادى، إلا: قد قامت الصلاة، قال: فلما أصبحتُ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنها لرؤيا حق))؛ الحديث؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، وصحَّحه الترمذي وابن خزيمة.
وزاد أحمد في آخره قصة قول بلال رضي الله عنه في أذان الفجر: ((الصلاة خير من النوم)).
ولابن خزيمة عن أنس رضي الله عنه قال: مِن السُّنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال: ((الصلاة خير من النوم)).
المفردات:
(الأذان): الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة.
(عبدالله بن زيد): هو عبدالله بن زيد بن عبدربه الأنصاري الخزرجي، شهِد العَقَبة وبدرًا وما بعدها، ومات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين.
(تربيع التكبير)؛ أي: تكريره أربعًا.
(ترجيع) الترجيع هو العود إلى الشهادتين لرفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت.
(فرادى)؛ أي: لا تكرير في ألفاظها إلا التكبير مرتين، وإلا قد قامت الصلاة.
(من السنة)؛ أي: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم المقرَّرة.
(حي على الفلاح): الفلاح الفوز والبقاء؛ أي: هَلُمَّ إلى سبب ذلك.
البحث:
قوله: (فذكر الأذان بتربيع التكبير بغير ترجيع والإقامة فرادى إلا: قد قامت الصلاة)، هذا ليس من كلام عبدالله بن زيد بن عبدربه، وإنما هو من كلام الراوي عنه تلخيصًا.
ونص الحديث:
عن عبدالله بن زيد بن عبدربه قال: طاف بي من الليل طائف – وأنا نائم – رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله: قال: فقلت: يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر غيرَ بعيدٍ، قال: ثم تقولُ إذا أقمتَ الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامَتِ الصلاة، قد قامَتِ الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحتُ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الرؤيا حقٌّ إن شاء الله))، ثم أمر بالتأذين، فكان بلالٌ مولى أبي بكر يُؤذِّن بذلك، ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، فصرَخ بلال بأعلى صوته: الصلاةُ خيرٌ مِن النوم.
هذا وما رواه ابن خزيمة عن أنس رضي الله عنه من قوله: (مِن السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم)، قد رواه كذلك الدارقطني والبيهقي عن أنس، وقد صحَّحه ابن السكن، وقال الحافظ ابن سيد الناس اليعمري: وهو إسناد صحيح.
ما يفيده الحديث:
1 – مشروعية تربيع التكبير في أول الأذان.
2 – تثنيةُ باقي الألفاظ.
3 – إفرادُ كلمةِ التوحيد في آخر الأذان.
4 – زيادة: الصلاة خير من النوم في أذان الفجرِ بعد حي على الفلاح مِن السنة.